مقدمة
يواجه المدراء يوميًا تحدي اتخاذ القرارات وحل المشكلات. تنقسم عملية اتخاذ القرار إلى مرحلتين أساسيتين: التفكير والتقدير، كما في قوله تعالى: “إنه فكر وقدر”. قد ينجح الإنسان نجاحًا باهرًا في مرحلة التفكير، لكنه قد يفشل فشلًا ذريعًا في مرحلة التقدير.
التفكير والتقدير
- حسن التفكير يحتاج إلى ذكاء.
- حسن التقدير يحتاج إلى صفاء.
- باختصار:
- حسن التفكير هو علم.
- حسن التقدير هو توفيق.
- تحصيل العلم يتطلب جهدًا.
- التوفيق يحتاج إلى صدق.
مراحل التفكير
استكمالًا للمقال السابق واستجابة لمن طلب التوضيح، يمكن القول إن التفكير هو جهد ذهني يشمل العمليات التالية:
- فهم الحاجة أو المشكلة فهمًا عميقًا.
- جمع المعلومات الضرورية.
- بلورة الخيارات الممكنة.
- تحديد إيجابيات ومزايا كل خيار.
- حصر سلبيات وعيوب كل خيار.
ماهية التقدير
التقدير هو مخاض ذهني ونفسي ووجداني وروحي يتمثل في الموازنة ثم الحسم وترجيح خيار على حساب الخيارات الأخرى.
أمثلة على اتخاذ القرار
في الجانب المهني:
- الاختيار بين مترشحين متكافئين لمنصب حساس.
- الاختيار بين ممولين جادين لمشروع كبير.
- الاختيار بين موردين متنافسين لمنتج استراتيجي.
- الاختيار بين موقعين مختلفين لمشروع صناعي.
- الاختيار بين مشروعين استثماريين جذابين.
في الجانب الشخصي:
- الاختيار بين تخصصين دراسيين.
- الاختيار بين منصبين مختلفين.
- الاختيار بين شركتين لوضع المدخرات فيهما.
- الارتباط أو فك الارتباط مع زوج/زوجة.
- الهجرة إلى بلد معين.
صعوبة القرار في حالة التقارب
عندما تكون الخيارات متقاربة جدًا مع تباين كبير في النتائج المحتملة أو المسارات، يصبح الترجيح (التقدير) موضوعًا مصيريًا ويصبح القرار عسيرًا. في حالة صعوبة الاختيار والتردد في الحسم، لابد من:
- الاستشارة لطلب الخبرة.
- الاستخارة لطلب التوفيق.
زبدة الكلام
التوفيق محض عطاء من الله.
“وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب”
سورة هود، الآية 88
ولعطاء الله قوانين، ولفضل الله نواميس.
مدارس اتخاذ القرار في الإدارة
في أدبيات الإدارة، يوجد مدرستان في طريقة اتخاذ القرار:
1. المدرسة الأولى: القرار العقلاني
تعتمد على البيانات واستخدام المنطق فقط في جمع المعطيات والتحليل والاختيار.
- أدوات القرار الشائعة:
- مصفوفة القرار (Decision Matrix) لترتيب الخيارات.
- شجرة القرار (Decision Tree).
- نظرية الألعاب (Game Theory) للحسم والاختيار في حالة عدم اليقين.
- تطبيقات:
- ازدادت أهمية هذه المدرسة مع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأدوات التحليل المتقدمة (Advanced Analytics).
2. المدرسة الثانية: القرار الحدسي
تؤمن بالحدس (Intuition)، وهو توظيف واعٍ وغير واعٍ لكل الخبرات والتجارب السابقة للحسم في المسائل الحرجة أو المستعجلة بطريقة آنية.
- أمثلة على الاستخدام:
- الطاقم الطبي في قسم الطوارئ لمواجهة الحالات الحرجة.
- فرق الإطفاء في حالة الحرائق المفاجئة.
- مدراء الأزمات في حالات الصدمات والكوارث القاتلة.
- مفهوم الحدس:
- الحدس هو ملكة وموهبة وعطاء.
- يختلف عن التخمين (Guess)، الذي هو ضرب من ضروب المقامرة.
- في إطار هذه المدرسة:
- يمكن التحدث عن التوفيق في لحظات الحسم والاختيار.
تصنيف القرارات حسب طبيعتها
يمكن تصنيف القرارات إلى أربعة أنواع على الأقل:
1. قرارات في منطقة الامتثال (Compliance Zone)
- مثال: كيفية التصرف في حالة تعرض قاعدة بيانات الشركة للقرصنة.
- القرار: اتباع النصوص والتعليمات المعمول بها.
2. قرارات في منطقة المساواة (Zone of Indifference)
- مثال: شراء منتج من محل أو من محل مجاور مع تطابق تام للخصائص والأسعار.
- القرار: الاختيار غير مؤثر؛ أي خيار سيكون مقبولًا.
3. قرارات في منطقة المفاضلة في حالة اليقين (Zone of Prioritization under Certainty)
- مثال: اقتناء مصنع إما من الصين أو من إيطاليا أو من ألمانيا.
- القرار: استخدام مصفوفة القرار (Decision Matrix) مع الاستعانة بمعامل الترجيح لكل معيار.
4. قرارات في منطقة الحكم في ظل عدم اليقين (Zone of Judgment under Uncertainty)
- خصائص:
- لا يوجد خيار مثالي؛ كل خيار محفوف بالمخاطر.
- القرار مستعجل ومهم.
- المعلومات غير كافية لاتخاذ قرار عقلاني.
- صحة القرار لا تتضح إلا بعد مرور الزمن.
- أمثلة تاريخية وواقعية:
- قرار ملكة سبأ (بلقيس) بامتحان النبي سليمان ثم اعتناق الإسلام.
- قرار الوليد بن المغيرة بالمفاضلة بين الانتصار للحقيقة أو الحفاظ على الوجاهة الاجتماعية؛ حيث أخطأ في التقدير رغم صواب التفكير.
- قرار وفد بني شيبان وسادة الأوس والخزرج في إيواء النبي محمد ﷺ.
- قرار خالد بن الوليد بالانسحاب من المعركة في اليرموك.
- قرار أبي بكر الصديق بمواجهة المرتدين ومانعي الزكاة مع إرسال جيش أسامة إلى الروم في وقت واحد.
- قرار ستيف جوبز بالتصالح مع بيل غيتس مقابل تسوية مالية.
- قرار شركة نوكيا بعدم استخدام نظام أندرويد.
- قرار مايكروسوفت بالتركيز على البرمجيات بدل الاستثمار في الحواسيب.
- قرار IBM بالاعتماد على برامج مايكروسوفت بدل تصميم برامج خاصة بها.
- قرار شركة Johnson & Johnson في عام 1982 بسحب جميع منتجات Tylenol لمواجهة حالات التسمم في شيكاغو.
الخاتمة
في مثل هذه القرارات، يجب الاعتماد على ما هو متاح من البيانات ثم الاستعانة بالحدس للحسم في الموضوع. ولنجاح الحدس، نحتاج إلى التوفيق، ولنيل التوفيق لابد من أسباب، ومن بين هذه الأسباب الصدق مع الذات والرغبة الصادقة في نفع الآخرين.